الدوشيرمه (Devshermeh): وهو نظام استحدثته الإمبراطورية العثمانية تجنّد أطفالاً من عائلات مسيحية، يتم تحويلهم بعد ذلك إلى الإسلام ويدربون كجنود إنكشارية. وكان توجه الدولة موجهاً أساساً للشعوب السلافية. كان في البدء فكرة ببرمجة أسرى الحرب من الغلمان والشبان وإحداث قطيعة بينهم وبين أصولهم وتربيتهم تربية إسلامية. ثم تطورت الفكرة واستحدث نظام التجنيد الدوشرمه وصار يؤخذ طفل من كل أصل خمسة في الأسر المسيحية.يتم تعليمهم مختلف العلوم الإنسانية ومن ثم يتم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: تعد الأولى للعمل في القصور السلطانية، والثانية لشغل الوظائف المدنية الكبرى، والثالثة تعد لتشكيل فرقة مشاة في الجيش العثماني (الإنكشارية).طبعاً الإنكشارية كانت تعد شوكة في حلق الأعداء ومن ثم أصبحت شوكة في حلق الدولة العثمانية إثر تدخلها الدائم في الحكم وسياسة الدولة، من عزل السلاطين وقتلهم إلى أن جاء السلطان محمود الثاني وحلّ هذه الفرقة بشكل نهائي بعد “الواقعة الخيرية” التي قامت إثر قيام ثورة الفرقة الإنكشارية وحرقها للمنازل في استطنبول بسبب رفضها محاولات السلطان محمود الثاني إضافة تحديثات على الجيش العثماني لمواجهة جيوش الدول الأوروبية، وخصوصاً بعد أن رأى انتصارات محمد علي المتتابعة، وما أحدثته النظم الجديدة والتسليح الحديث والتدريب المنظم في جيشه.في إحدى سنوات الدوشيرمه مرت تلك السنة على قرية تدعى سوكول وأخذت من عائلة أرثذوكسية طفلاً وأصبح معروفاً بمحمد باشا. تعلم تحت مظلة الدوشيرمه وتقلد المناصب الواحد تلو الآخر حتى وصل لمنصب الوزير الأعظم أو الصدر الأعظم.من هذه النقطة يبدأ إيفو أندريتش في روايته “جسر على نهر الدرينا” الرواية التي نال عليها جائزة نوبل للآداب في عام 1961 وكذلك أرفع جائزة في يوغسلافيا.بعد أخذ محمد باشا وهو صغير ، يصف إيفو عقله الذي شغله حادثة إنتزاعه من أمه وقد آلمه كثيراً مشهد انتقاله من فوق النهر على مركب فيشيغراد، ويظهر لك فن إيفو في وصفه لصاحب القارب اللامبالي :” قارب عتيق أسود يقوده رجل بطيء متجهم اسمه ياماك. وكان لفت انتباه هذا الرجل، حتى يكون يقظان غير نائم، لا يقل صعوبة عن إيقاظ أي رجل آخر من أعمق نوم. كان ياماك ضخم الجثة ذا قوة جبارة، لكنه فقد شيئاً من قوته خلال حروب كثيرة خاضها ولمع نجمه فيها. ولم تكن له عيناً واحدة، وأذن واحدة، وساق واحدة، (أما الساق الأخرى فمن خشب). وكان ينقل البضائع والركاب، دون تحية ودون ابتسامة، على ما يحب له هواه، بطيئاً لا يتقيد بنظام، ولكن على شرف وأمان، فكان ما يوحي به إلى الناس من ثقة به وركون إلى صدقه يشبه الآساطير، وكذلك بطئه ومزاجه العجيب. كان لا يحب أن يدور بينه وبين الركاب الذين ينقلونهم حديث، ولا أن تنعقد بينه وبينهم صلة. حتى أن القروش النحاسية التي يدفعونها أجراً، كان يلقونها في قاع المركب الأسود، حيث تظل طوال النهار في الرمل والماء، فإذا جاء المساء جمعها على غير اهتمام في وعاء كان يستعمله في إفراغ القارب من الماء، ومضى بها إلى كوخه على ضفة النهر”ذهب عقل محمد باشا إلى هذه التجربة عندما أصبح الصدر الأعظم في السلطة، فأرسل مهندسيه لبناء جسر فوق نهر درينا ليربط بين البوسنة والصرب وكانتا إقليمان من أقاليم الإمبراطورية العثمانية. ويشرح بشكل عجيب ومؤلم أول محاولات بناء الجسر مع إشراف العنيف عابد آغا – الذي قدم نفسه أمام ممثلي السلطات عندما وصلتهم إشاعات أنه متعطش للدماء فقال: ” إن هذه الإشاعات ليست من صنع الخيال، وليس فيها شيء من المبالغة، وقد حصلت على هذه السمعة بخدمة الدولة خلال سنين طويلة…“- والأساطير التي حيكت حول عمليات البناء، ومن ثم عمليات التخريب، وإلى أن يصل إلى قمة الحدث في مشهد عنيف ويتمثل في عقوبة الخازوق..!يجيد إيفو أندريتش الوصف بدقة متناهية وفي غاية الجمال حتى أنك تشعر لوهلة ما يشعر به أفراد شخصيته. ويضعك أمام قالب متنوع من الشخصيات من أتراك، وسلافيين مسلمين، وصربيين أرثذوكس، وكرواتيين كاثوليكيين، ويهود، وضباط نمسويين… إلخ فيضعك أمام تقاليدهم والأساطير المتداولة بينهم، مخاوفهم وأمانيهم، وغيرها من قصص الحب والأغاني الشعبية.تمر المنطقة بمراحل عديدة وأحداث متعددة مثل ثورة قره جورج ومنصة الإعدام التي نصبت في الكابيا لإنهاء المتواطئين فيها، وكذلك سيطرة النمسا على البوسنة بعد ضعف الدولة العثمانية وظهور الأفكار الثورية، وإلى أن تنتهي بمقتل الأرشيدوق فيرديناد وكانت إعلان للحرب العالمية الأولى.يركز إيفو على نظرة أفراد الشخصيات المتواضعة حول الأحداث الرئيسية في الرواية. مدينة صغيرة لا يعرفها العالم، مجرد نقطة في الخارطة، يسجل فيها إيفو أحداثه، تلك الروايات والقصص غير معروفة وهي للمنطقة أهم من أي حدث كبير في العالم. مدينة صغيرة هادئة يريد أهلها أن تبقى كما هي عليه من هدوء.يذكرني هذا كثيراً في أحاديث الوالدة عن فترة الحكم الإشتراكي في جنوب اليمن. لقد اعتادت الوالدة من فترة لفترة الحديث عن أحداث صغيرة داخل هذه الجملة من الفوضى، إلا أن وقعها كان على أهلها عظيم من عمليات تصفية شخصية وتضييق خناق على الملاك. وكأنها أخذت على عاتقها حفظ هذه القصص على أنها جزء مهم من التاريخ الذي لا يعرفه أحد وأن عليها توصيل أحداثه. ففي كل مرة يفتح نقاش عن الإشتراكية تعتدل في جلستها ثم تبدأ بالحديث وتصف الموضوع من على ألسنة راويها وكيف أحدث ذلك صدىً لكن في القرية فقط ولم يتجاوزها. هؤلاء الذين أصابهم الرعب والفزع فبدوا كأموات في خطواتهم!إنها كمن تريد أن تقول أن المآساة الحقيقية هي مخفية بين أضلع القرى، قصص لا تحكيها الألسنة دون الالتفات يميناً ويساراً خوفاً من أن ينقاد مثل غيره إلى نفس الحفرة. مآساة مخفية عن العالم والتي لا يعرفها سوى أهل هذه القرى!العالم يتخبط حول الأرقام الكبيرة، لكن تلك القصص الصغيرة التي تظهر الإنسان في أبشع صوره لا يعرفها إلا القليل. قد يكون أمراً مناسباً حتى لا يقع العالم كله في مغبة تشائم وظلمة لا ينفك منهما، إلا أن ذلك الصمت الذي يصيب أهلها يحكي الكثير.توفي محمد باشا سوكولوفيتش في عام 1579 ويبدو أن قضية قتله غامضة لكن القاتل هو أحد الإنكشاريين.وفي حديث لحسين أفندي (أحد شخصيات الرواية) يعود إيفو لإلقاء بعض الضوء عليها:“ إن هؤلاء الذين يسمون باسم الفوضويين قد وجدوا منذ الأزل، وسيظلون موجودين إلى الأبد. ذلك لأن حياة البشر قد كتبت عليها هذا، ولأن مشيئة الله الواحد الأحد قد أرادت ذلك، فكل درهم من خير يقابلها حسد، كما أنه ما من شئ مهما يكن صغيراً إلا وله ظل، وهذا يصدق خاصة على عظماء الناس وتقاتهم والمشهورين منهم، فكل واحد من هؤلاء يتربص به سفاك، فتارة يتأخر انقضاضه عليه وتارة يتقدم. انظروا مثلاً إلى ابن هذه المدينة محمد باشا… كان يملك من روح البرّ وحب الخير. لقد مات هو أيضاً بسكين واحد من هؤلاء الفوضويين. إن أولئك الذين كان الوزير دائماً ما يحبط خططهم – وكانوا حزباً قوياً – قد استطاعوا أن يسلحوا وأن يرشوا درويشاً مجنوناً، فدفعوه إلى قتله لحظة خرج للصلاة في ظهر يوم من أيام الجمعة. استطاع الدرويش، وهو يتدثر بمعطفٍ بال ويمسك بيديه سبحة كبيرة، استطاع أن يسد الطريق وراء الوزير، وتظاهر بطلب الصدقة في مذلة ومكر، فلما أراد الوزير أن يضع يديه في جيبه ليتصدق عليه طعنه بسكينه”——خوجة معمار سنان آغا:أشهر معماري عثماني. وكان رئيس المعماريين وأشهرهم خلال حكم السلاطين الأربعة: سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث. واكب عصر النهضة الإيطالية. يقول هـ.كلوك العالم الألماني وأستاذ تاريخ العمارة في جامعة فيينا:” إن سنان يتفوق فنيا علي ميكائيل أنجلو صاحب أكبر اسم فني في الحضارة الأوروبية“قام سنان بأعمال عديدة لمحمد باشا منها بناء مسجد محمد باشا، كذلك المسجد الأسود الذي تحول فيما بعد إلى كنيسة في القرن التاسع عشر لكن معظم ما في المجسم كان مبني على نظام سنان. وقام بعد ذلك ببناء جسر فيشيغراد، الذي يمثل ذروة الهندسة المعمارية والمدنية العثمانية. وقد اعترفت اليونيسكو بالقيمة العالمية المميزة للجسر وادرجته ضمن قائمة التراث العالمي.------------ما عرفت أضيف صور لأجل المباني والجسر..! :-\http://www.thinghood.com/?p=1551
جسر على نهر درينا كتب ايفو أندرتش روايته هذه في بلغراد أيام الحرب العالمية الثانية، ففيما العالم يدمر بعضه، ويهدم كل ما بنته الحضارة على مدى القرون، ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان للهروب من هذه الفضائع أفضل من استعادة عالم منسي. ولكن استعادة عالم كامل مأزق حقيقي، حتى عند روائي كبير مثل أندرتش، فلذا ليس أفضل من تحريك الزمان، وتثبيت المكان، وما الذي يمكن أن يثبت المكان أفضل من جسر بني أصلاً ليربط بين أطراف الإمبراطورية ويثبت سلطة وهيبة المركز البعيد حيث يقبع السلاطين العظام الذين كان الباشوات والآغات يحكمون هذه النواحي باسمهم. إنه عالم المد العثماني، عالم الانكشارية والدفشرمة (ضريبة الدم)، هذه الضريبة التي أوصلت محمد باشا سكولوفتش البوسني إلى منصب الصدر الأعظم وجعلته يقرر أن يحسن إلى بلده القديم الذي يبدو أنه لم ينس ليلة أخذه منه رغم السنين الطوال، وكل القصور السلطانية التي مر بها. بكل براعة ينقل لنا ايفو أندرتش هذا العالم البلقاني الغريب، المكون من كل القوميات التي لم نكن نعرف عنها، حتى انفجرت وجعلت تقتل بعضها البعض، مستعيدة ثارات قديمة، هكذا عاش أندرتش ومات وكتب هذه الرواية كما قلنا في عالم يقتل بعضه، ولم يكن يعلم حينها أن الموت الذي كان يجول في أوروبا، سيتوقف بعد نصف قرن في فيشيغراد ذاتها، وأن الجسر، الجسر ذاته الذي كتب عنه وروى قصته من اليوم الذي صار فيه فكرة جائلة في رأس الصدر الأعظم، حتى اليوم الذي ضربته قذائف الحرب العالمية الأولى وهدمت جزء منه، هذا الجسر سيشهد إعدام ثلاثة آلاف من أهل فيشيغراد المسلمين في سنة 1992 م، حيث ستطفو جثثهم في نهر درينا، قبل أن يجرفها التيار بعيداً عن الكابيا وأيامها الجميلة. إن الجسر عند البلقانيين يعادل الجمل عند العرب القدماء، تسبك حوله القصص والأساطير، ويلج في كل لحظات الحياة، إن أصل الجسور كما تقول الأسطورة البلقانية هي أجنحة الملائكة التي وضعتها للبشر ليعبروا من مكان إلى آخر، بعدما شققت الشياطين الأرض، لهذا كانت قمة الإحسان للوطن القديم عند الصدور العظام الذي جاءوا من البوسنة هو أن يبنوا فيها جسراً، هذا ما فعله سوكولوفتش، وهذا ما فعله كوبريلي الذي استحق أن يحمل الاسم التركي للجسر (كوبري)، وكما يتسابق الصدور العظام في بناء الجسور، يكتب الروائيون البلقانيون روايات عن الجسور، فها هو البلقاني الآخر الذي لا يقل عظمة (إسماعيل كاداريه) يكتب رواية سماها (الجسر) يمكن لنا أن نلمس فيها بعض التشابهات البسيطة مع رواية أندرتش، وخاصة في أسطورة بناء الجسر ومحاولات تخريبه. لقد نقل لنا أندرتش بكل روعة، ملحمة الجسر من لحظات بنائه بكل عنفوان وقوة الأتراك، ثم كيف صار الجسر مجلساً لأهل المدينة الصغيرة، وأخذنا في قصص متوالية تدور كلها في فيشيغراد وترتبط بشكل أو بآخر بجسرها العتيد، جعلنا نشهد انحسار العثمانيين، واستيلاء النمساويين على المنطقة، نهوض الصرب حتى الأيام التي قتل فيها جفريللو برنسيب ولي العهد النمساوي، هنا تقترب الحكاية من النهاية، لم تنتهي قصة الجسر كما نعرف، فهو لازال قائماً، وقد شهد بالتأكيد قصص حب، ومآس ومجازر، لقد شهد قصص لقاء وفراق، لقد عبره أناس مسرعون، وآخرون متمهلون، يتأملون حجارته التي وطئتها آلاف الأقدام، ونحن... نحن لم نكن سنميز هذا الجسر من بين آلاف الجسور حول العالم، لولا أن روائياً قرر الفرار من الرعب والفزع إلى حضن جسر قروسطي ذو حجارة بيضاء وجمال غريب.الجسر كتراث عالمي:http://whc.unesco.org/en/list/1260فيديو صغير حول الجسرhttp://www.youtube.com/watch?v=OIJ0Bv...
في معظم الروايات هناك شخصيات هامشية عدا الرئيسة و التي تكون بمثابة الميزان التي تقيس بها مدى روعة الرواية صعودا للاعلى أو مسيرا نحو القاع , إلاّ هنا في رائعة إيفو أندريتش ...مبنى جميل قام ببناءه أحد أبناءالبلقان وُلد في قرية صغيرة خلف الجبال , أُخذ صغيرا ثمنا لضريبة الدم حسب القوانين العثمانية و أصبح واحدا منهم ثم ارتقى في حياته المهنية حتى صار وزيرا له الكلمة الأولى في الآستانة و عزم على رد الجميل لشعب بلده الأصلي بأن قرر بناء جسر عظيم و يكون طريقا يصل بين جانبي مدينة فيشيغراد المسلم و النصراني فيصبح سببا في وحدتها و سرا لبقائها و جمالها ...تمضي السنوات و تأتي أحداث و تحكى أساطير وتموت أجيال , وحده الجسر ظل صامدا و شامخا حتى سقط أخيرا بيد أجنبية ماسحة أثرا خالدا و وطنيا سيظل في ذاكرة سكان المدينة و كل من عاش على جانبي نهر درينا ...قصة الحب الغير مكتملة بين زوركا و غلاسنتشانين , بمقابل قصة فاطمة و زواجها من العجوز وانتحارها ...تمر المدينة بثلاث فترات من أنظمة الحكم السياسي : العثماني و النمسوي ثم الألماني , و بكل فترة هناك المتمردون والخاضعون و الجنود تأتي و العقوبات الدموية كالقتل و الإعدامات تأخذ الأرواح ...مشاهد السعادة و الفرح عند الكابيا صنعت حيوات عديدة للسكان و لغيرهم و كانت أحسن صورة لهذا الجسر الجميل و البديع ...علي خجا , من الشخصيات التي بقيت حية على مدى فصول الرواية لم تصمت سكوتها الأخير إلاّ في نهاية القصة و كأنه الشاهد الأخير في قضية وفاة الجسر الحزينة ...رواية تستدعي أجواء البلقان و شخصيات مساندة لحياة الجسر و مضيفة أحداثا و قعت بجانبه و قصص أسالت الدم و الحيرة مرتبطة به , لا شك بأنها استحقت الخلود في مخيلة البلقانيين حتى الآن ...
—mohammad
عمل روائي رائعلأول مرة يكون المكان هو بطل الرواية بهذا الشكل المدهش ... هناك العديد من الشخصيالت التي لا تنسى, كشخصية لوتيكا اليهودية, و علي خجا, و بالأخص شخصية ساكو الأعور, و الكثير الكثيررواية غنية بالأحداث و التحليل النفسيبالإضافة إلى قيمتها الأدبية الفذة, هناك قيمة تاريخية, حيث ترصد الرواية تفاصيل حياة الناس في البلقان و تتناول الأحداث التاريخية في تلك الفترةلا بد من الإشارة الى الترجمة الرائعة لسامي الدروبي, فهو بحق من أفضل المترجمين العربأثناء قرائتي للرواية, عشقت الجسر و نهر درينا و تلك الأجواء. إن تكمنت في المستقبل, فلا بد من زيارة الجسر و الكابيا اللذان لا زالا قائمين إلى اليوم. هذه بعض الصورhttp://www.tripadvisor.com/Attraction...بالإضافة لذلك, يمكن التجول ثلالثي الأبعاد في أنحاء الجسر عن طرية غوغول ايرث. هذه هي الإحداثيات 43° 46.941' N 19° 17.282' E
—Hafeth
ما بين "الجسر" الثابت، وهدير الأحداث التي تتحرك حوله "كنهر درينا"، نقلنا إيفو أندريتش إلى عالم متعدد الشخصيات والأحداث...من خلال وثيقته التاريخية التي تزينت بحلّة أدبيّة فنيّة في غاية الروعة والإتقان...والتي اعتمد فيها على الجسر الذي "يَصِل" أو "يفصل" بين صربيا والبوسنة...والذي بناه "خوجة معمار سنان آغا" بناء على أمر الصدر الأعظم محمد باشا سوكولوفيتش...والأحداث التي مرّت بالمكان منذ الفتح العثماني حتى الاستعمار النمساوي، انتهاء بدخول القوات الصربية والتي ظلت قابعة على أنفاس مسلمي البوسنة حتى إعلان استقلالهمأتقن أندريش وصف الجسر وما يحيط به وحوله من حكايات بصورة مبهرة لأناس ارتبطوا به وارتبط بهم، انتقاها من مختلف الحقبات التي مرت على الجسر...وأتقن تتبع التغيّرات المكانية التي حدثت خلال قرون من بناء للفنادق ومد خط للسكة الحديدية وأنابيب مياه للمنازل ووضع فوانيس على الطرق...وأتقن تتبع الأحداث التي تعاقبت على الجسر بطرفيه خلال قرون وأثرها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية...فإيفو أندريتش...يأخذك معه ليس فقط لرؤية المكان بكل تفاصيله...ولكن إلى مساحات رحبة من الحياة هناك...لتعيشها معه كما يريدمنح إيفو الجسر حياة استمدها من حياة آلاف المارين فوقه، الذين وجدوا فيه راحتهم وملاذ أفراحهم وأحزانهم ومصدر حكاياتهم وأساطيرهم وحكاياتهموخلده كمعبر حضاري شهد العديد من التفاعلات الحضارية التي رافقت الأحداث من حوله وغيرت من خارطة المكان والسكّان مع مرور الآلاف عليهأما ما لفت انتباهي فوصفه لتفاعل الناس فكريا وسياسيا مع تلك الأحداث...بدءا من مقاومة بناء الجسر نتيجة فكر سلبي راسخ...ولجوء الناس لأسطرة التاريخ حال العجز عن المقاومة...ومرورا بموقف أهالي فيشينغراد من العدوان وانقسامهم إلى فئتين، تدعو إحداهما للمقاومة والأخرى لعدمها حتى تسقط المدينة على مرأى من سكانها...وانتقالا لأحاديث الشباب عليه:"يستحيل قيام أي تشكيل سياسي باق متين في أي مكان من الأمكنة وفي أي ظرف من الظروف، فلا بد أولا من تحرير الطبقات المستغلة، أي أكثرية الشعب حتى يمكن خلق الشروط الواقعية لقيام دولة مستقلة"" الرغبة في التغيرات المفاجئة والتفكير في تحقيقها بالقوة يظهران بين الناس في كثير من الأحيان ظهور المرض" "رغبة البشر كالريح تثير الغبار من مكان إلى مكان، وقد تحجب الأفق تماما في بعض الأحيان، لكنها تهدأ في آخر الأمر وتزول مخلفة وراءها الصورة القديمة الأبدية للعالم" "كما يقع كثيراً في تاريخ الإنسانية أصبحت أعمال العنف والنهب وحتى القتل من الأمور التي يسكت عنها وتباح، شريطة أن ترتكب باسم مصالح عليا، وتحت ستار شعارات معينة، وأن تنزل على عدد صغير ممن يسمّون بأسماء معينة، وينتمون إلى عقيدة معينة"."عندما تنصبّ كراهية الناس على شيء أو أمر معين فإنها لا تتخلى أبدا عنه، ولا تتوانى عن التفكير الدائم فيه، فتصبح الكراهية غاية بحد ذاتها"أو ما عبرت عنه لوتيكا اليهودية قائلة: " كأن الجيل الجديد يهتم بنظرته إلى الحياة أكثر من اهتمامه بالحياة نفسها"وشدني مشهد الخاتمة والجسر يهدم تحت وطأة القذائف...وعلي خجا يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يتمتم: " من يدري؟ لعل هذا الدين الباطل الذي ينظم أهله كل شيء، فينظفون ويصلحون ويحسنون، من أجل أن ينسفوا وأن يهدموا بعد ذلك في لحظة واحدة كل شيء، لعل هذا الدين الباطل سينتشر في المستقبل على الأرض كلها، فإذا أهله يجعلون من جميع هذا العالم الذي خلقه الله ساحة مقفرة لبنائهم المجنون وتخريبهم المجرم، ومرعى لجوعهم الذي لا يشبع، وشهواتهم التي لا تفهم، كل شيء ممكن...غير أن هناك شيئا واحدا يستحيل أن يكون، وهو أن تخلو الدنيا خلوا تاما، إلى الأبد، من رجال عظماء حكماء، أصحاب نفوس سامية، وهمم عالية، يبنون في سبيل الله، مباني باقية خالدة، لتصبح الأرض أجمل، وليعيش الإنسان حياة أفضل وأسهل، فإن اختفى مثل هؤلاء الناس كان معنى ذلك أن حب الله قد انطفأ وزال من هذا العالم ، وذلك ما لا يمكن أن يكون!"وفتحت الرواية أمامي بابا للبحث عن مزيد من الحقائق التاريخية في تلك الفترة، وعن تحفة فنية شيّدت للسلام ودمرتها الحروبحقّ لـ "متحف الأدب والفن المسرحي" في ساراييفو أن يحتفي باقتنائه مخطوطة الرواية في خزانة خاصة باعتبارها كنزا ثقافيّا...
—طَيْف